كل من لديه أطفال يريد لهم أنّ يبقوا بعيدين عن المتاعب، أنّ يتفوقوا في المدارس و أنّ يحققوا إنجازات كبيرة في المجال المهني، ببساطة أنّ يكونوا من الأفضل.
ليس هناك توليفة جاهزة لتربية جيل ناجح من الأطفال، لكن علماء النفس و الاجتماع و مختلف الباحثين حول العالم يشيرون بأن هناك مجموعة من العوامل المبكرة التي تهيء للنجاح و لمستقبل أفضل. و هي:
التوقعات العالية
باستخدام بيانات من استفتاء أُجري عام 2001 على 6.600 طفلاً، وجد الباحث Neal Halfon و زملائه في جامعة كاليفورنيا أنّ لتوقعات الأهل و آمالهم تأثير هائل على تحصيلهم.
فالأهل الذين رأوا أن ابنهم سيدخل الجامعة في المستقبل بدا و كأنهم يقودونه باتجاه ذاك الهدف بغض النظر عن دخلهم أو الأصول المادية التي يمتلكونها.
اكتشاف هذه النتيجة أتى عبر دراسة نتائج الامتحانات موحدة، حيث أن 96% من الطلاب الذين حصلوا على أفضل النتائج كان ذويهم يتوقعون دخولهم الجامعة و هذا يتفق مع اكتشاف آخر في علم النفس أيضاً : The Pygmalion effect (تأثير بيغماليون)، و الذي ينص أن “الشيء الذي يتوقعه الشخص من أحد آخر يمكن أن يتحول لنبوءة تحقق ذاتها في ذاك الشخص”.
في حالة الأطفال، الغالبية لا تخيب الآمال المعقودة عليها. فإن كنت تريد لابنك أن يحصل على نتيجة إيجابية عليك بإخباره بأنك تتوقع منه ذلك !
وضع اقتصادي اجتماعي أفضل
من المؤسف أن عدداً كبيراً من الأطفال حول العالم يشبون في بيئة الفقر، التي من الممكن أن تحد بشكل كبير من قدراتهم الكامنة.
بالاستناد إلى دراسة قام بها الباحث Sean Reardon في جامعة ستانفورد، فإن فجوة الإنجاز بين العائلات ذات الدخل الكبير و مثيلاتها ذات الدخل المتدني هي أكبر بـ 40% بين الأطفال الذين ولدوا عام 2001 مقارنة بالذين ولدوا قبلهم بـ 25 عاماً.
و أشار إلى هذا الموضوع المؤلف Dan Pink في كتابه Drive، فكلما ازداد دخل الأهل، كلما ارتفعت نتائج امتحانات الأبناء التي يقبلون على أساسها في الجامعة.
فطبعاً، الدروس الخصوصية و التداخلات باهظة الثمن ستمنح الأفضلية للطفل عن غيره في الأداء.
المستويات التعليمية الأعلى للاهل
قامت جامعة ميتشيغان عام 2014 بدراسة بقيادة الباحثة Sandra Tang وجدت أن الأمهات اللواتي أنهين الدراسة الثانوية أو الجامعية كنّ أكثر احتمالية لتربية أطفال يكملون دراستهم في المدرسة أو الجامعة.
وفي دراستين أخريات، الأولى قامت على الأولاد في رياض الأطفال وجدت أن الأطفال الذين ولدوا لأمهات مراهقات (بعمر 18 سنة أو أقل) كانوا أقل احتمالاً لإكمال دراستهم من أقرانهم الآخرين.
والثانية قامت بدراسة 856 شخصاً في ضواحي نيويورك، ووجد عالم النفس Eric Dubow أن “المستوى التعليمي للأهل عندما كان الطفل بعمر 8 سنوات أثر بشكل ملحوظ على تحصيله العلمي والمهني بعد 40 سنة”.
وكخلاصة، أقرب الأشخاص إلى الأطفال هم أهلهم، فلا عجب أنهم في صغرهم يريدون أن يكونون مثلهم فإن كان الأهل من ذوي التحصيل العلمي والنجاح فالأرجح أن أولادهم سيسلكون نفس الطريق.
توفير خبرات أكاديمية مبكرة
عام 2007، أُجري تحليل على 35.000 طفل لم يدخلوا المدرسة بعد في ثلاث دول (كندا، إنكلترا، الولايات المتحدة)، والنتيجة كانت معرفة أن الأطفال الذين طوروا مهاراتهم في الرياضيات في عمر مبكر كان لديهم أفضلية هائلة على غيرهم.
الباحث في هذه الدراسة Greg Duncan صرّح في لقاء صحفي : “الأهمية الكبيرة لبدء المدرسة بمهارات الرياضيات ومعرفة الأرقام، ترتيب الأرقام، والمفاهيم الرياضية البسيطة هي واحدة من الأحجيات التي قامت الدراسة بحلها، فإتقان مهارات الرياضيات المبكرة لا يتنباً بلإنجاز في المستقبل على صعيد الرياضيات فحسب، بل يتنبأ أيضاً بسرعة تعلم الطفل للقراءة”.
مراعاة المشاعر أثناء التربية
243 شخص أجريت عليهم دراسة عام 2014، كانوا من الذين ولدوا تحت خط الفقر. النتيجة كانت أن الأطفال الذين تمت مراعاة مشاعرهم أثناء سنواتهم الثلاث الأولى كانوا أفضل التحصيل العلمي أثناء الطفولة، وكانت علاقاتهم الاجتماعية وإنجازاتهم الأكاديمية أفضل ببلوغهم الثلاثينات.
ونقلاً عن موقع PsyBlog، الأهالي الذين يراعون مشاعر أطفالهم هم الذين “يتجاوبون مع إشارات أطفالهم بطريقة مناسبة و فورية” و “يوفرون قاعدة آمنة” للأطفال ليقوموا باستكشاف العالم.
هذا يقترح بأن الاستثمار في علاقة الأب/الأم-الطفل قد ينتج عنه عوائد تتراكم على المدى الطويل عبر حياة الأفراد
تجنب إمضاء الوقت بشكل سلبي
حسب الأبحاث الجديدة التي أجريت على الأمهات والأطفال، ليس المهم كمية الوقت الذي تمضيه الأم مع طفلها بقدر أهمية نوعية هذا الوقت التي لها تأثيرها على صحة الطفل وإنجازه.
وفي الواقع، إمضاء الكثير من الوقت مع الطفل واتباع طريقة “التربية المكثفة” قد لا يأتي بنتائج إيجابية ومن الممكن حتى أن يكون سلبياً.
أحياناً قد يكون هناك ضغوط على الأمهات بسبب محاولتها التوفيق بين العمل وتخصيص وقت للعائلة والأطفال، وهذه الضغوط تنعكس سلباً على الأطفال .. حسب عالم الاجتماع Kei Namaguchi.
ما يحصل هو ظاهرة العدوى العاطفية التي تسبب للناس أن يلتقطوا مشاعر من حولهم، فإن كان لديك صديق سعيد، فستنتقل إليك سعادته وإن كان بائساً فالتعاسة الناتجة ستنتقل بدورها إليك أيضاً.
بالتالي، إن كانت الأم أو الأب مرهقين، محبطين فمن الطبيعي أن حالتهما الشعورية هذه ستنتقل إلى أطفالهم.
تعليم العقلية المتنمية
النجاح ينبع من المصدر الذي تعتقد أنه يأتي منه.
على مر العقود، كانت هناك نظرتان في هذا الشأن لدى البالغين والأطفال :
• العقلية الثابتة : تزعم أن شخصيتنا، ذكائنا وقدرتنا على الإبداع هي معطيات لا يمكن تغييرها، والنجاح هو نتاج الذكاء الموروث.
• العقلية المتنمية : هي العقلية التي تزدهر بمواجهة التحديات وترى أن الفشل ليس دليلاً على قلة الذكاء بل فرصة للتعلم وتطوير المهارات الموجودة مسبقاً.
• العقلية المتنمية : هي العقلية التي تزدهر بمواجهة التحديات وترى أن الفشل ليس دليلاً على قلة الذكاء بل فرصة للتعلم وتطوير المهارات الموجودة مسبقاً.
العقلية تحكم التصرفات، ولها تأثير قوي على الأولاد.
إن أخبرت طقلك أنه نجح في الامتحان بسبب ذكائه الفطري، فهذا سيجعل عقليته ثابتة. وإن نجح بفضل مجهوده فهذا سيجعل من عقليته متنمية.
في دراسة أجريت على الأطفال بعمر 4 سنوات، دُعي الأطفال للاختيار ما بين حل أحجية سهلة وأخرى صعبة. الأطفال ذوي العقلية الثابتة اختاروا حل السهلة، لأن ذلك سيؤكد قدراتهم الفطرية ويجعلهم يبدون أذكياء وناجحين. بينما الأطفال الذين كان عقليتهم من النوع المعاكس اختاروا الأحجية الأصعب ورأوا فيها فرصة للتعلم لأن مفهومهم عن النجاح كان مرتبطاً بزيادة الذكاء.
لذا، عندما تمتدح أطفالك لا تهنئهم على كونهم أذكياء، بل أثني على عملهم وأوصهم ببذل مجهود أكبر.
كانت هذه أبرز سمات التربية التي تنتج أفراداً ناجحين، لا تبخل بمشاركة المقال لتعم الفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق