التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هل نعيشُ لنعمل أم نعمل لنعيش؟


قد يبدو التساؤل أعلاه نمطياً للغاية مع تكرر طرحه في مناسبات عديدة ونقاشات قد تتجه لفلسفة الأمر بشكل يزيده تعقيداً. الأمر في حقيقته غايةٌ في البساطة ويخضع بشكل كبير – كما أفترض الكثير من الباحثين المعنيين بالثقافة – للموروث الثقافي للشعوب حول العالم.
وبينما لم يستطع أحدٌ الجزم بالأسباب الثقافية التي تدفع شعباً ما لتفضيل العمل على الحياة الشخصية، قام بعض الباحثين بفرض نظرياتهم الخاصة والتي تعطي عدداً كبيراً من دول العالم تصنيفات تضع بعضها في ترتيبات متدنية من حيث تقديم الحياة الشخصية على العمل والعكس. بل إن بعض الباحثين قرن بين العمل والسعادة بحيث يمكن قياسها – السعادة – بمقدار ما يستمده الفرد نفسياً من مدى نجاحه في عمله من عدمه.
وهنا يعاد طرح التساؤل مرة أخرى؛ هل يجعلنا العمل سعداء؟ هل الحياة بلا عمل حقاً تعيسة؟ لماذا يجد البعض سعادتهم في العمل بينما تصيب كثرة العمل البعض بالتعاسة وربما تدفعهم للانسحاب من الحياة بشكل كامل؟

التباين الثقافي بين شعوب العالم في تعريفهم لمفهوم “العمل”

يعتقد كاتب هذه السطور أن مفهوم العمل هو كل نشاط يقوم به الإنسان يضمن له الحصول على مقابل مادي يضمن له حياة مريحة بلا متاعب أو صعوبات. بينما قد يعتقد شخص آخر من ثقافة أخرى، ولتكن اليابان، أن العمل هو مرادف آخر للحياة، وأن الحياة بلا عمل هي نوع من أنواع الموت.
ولذلك فحين يفقد أحد اليابانيين عمله لسبب ما، فإنه غالباً ما، وطبقاً لإحصائيات جديرة بالاهتمام، يجنح لإنهاء حياته بالانتحار أو يمر بحالة اكتئاب شديدة قد تودي بحياته، على الرغم من أن معظم من فقدوا أعمالهم في اليابان يحصلون على إعانة بطالة من مؤسسات الدولة لحين حصولهم على وظيفة مرة أخرى، هنا يستوقفنا السؤال مجددا: هل يرى البعض أن العمل هو هدف الحياة الأسمى؟ ولماذا يرى الكثيرون على النقيض أن العمل بصورته المعاصرة هو أحد أهم أسباب الشعور بالاكتئاب؟
يرى الألماني Max Weber في بحثه الأشهر “قيم البروتستانتية وروح الرأسمالية” سنة 1930 أن المجتمعات الغربية وتحديداً أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية قد تأثرت بشكل بالغ بالقيم الدينية للبروتستانتية المسيحية في نظرتها لمفهوم العمل. الأمر الذي قد يراه البعض أحد ركائز النمو الاقتصادي لتلك الدول.
على الطرف الآخر؛ يفترض بعض الباحثين أن المواطن الشرق أوسطي يرى العمل كوسيلة للحصول على دخل مادي، بغض النظر عن حرصه على جودة هذا العمل وإتقانه. وفي حين أن الياباني قد يقوم بالانتحار، ليس بسبب مروره بضائقة مالية نتيجة فقده لعمله ولكن بسبب فقده للعمل في حد ذاته، فإن شخصاً آخر منتمٍ لثقافة أخرى قد يرى أن ضمان الحصول على دخل حتى ولو كان عن طريق الإعانة أو الصدقة هو سبب كافٍ جداً لعدم البحث عن عمل والاكتفاء بالاستمتاع بوقت الفراغ.

الدراسة الاستقصائية للقيم في أكثر من 100 دولة حول العالم أو ما يعرف بـ

World Value Survey (WVS)

هذا المشروع الهام جداً هو نتاج عمل شبكة كبيرة من علماء الاجتماع والاقتصاد بدأت عملها منذ 1981، والذي شمل تدريجياً أكثر من 100 دولة بحيث يرصد ويقيّم ويحلل عشرات القيم والمعتقدات لدى شعوب تلك الدول.
المشروع يقوم بعرض نتائج الاستقصاء بشكل تفاعلي رائع بحيث يتمكن حتى غير المتخصصين من مقارنة أي دولتين من اختيارهم من ناحية قيمة معينة ولتكن أهمية العمل لدى شعبي تلك الدولتين. المفاجأة هنا أن إجابات البعض في كثير من دول الشرق الأوسط قد تمثل تناقضاً واضحاً مع ما يظهره الواقع من إنتاجية محدودة وعدد ساعات عمل قليل للغاية مقارنة بما تثبته إحصائيات أخرى عن وصول ساعات العمل اليومية في اليابان على سبيل المثال لـ 16 ساعة.
المقال هو محاولة لإثارة نقاش بنّاء حول أهمية العمل لدى الثقافات المختلفة وما هي المؤثرات الثقافية والاجتماعية التي ساهمت في بلورة المفهوم بشكل مختلف لدى شعوب العالم، وانعكاسه على مدى الإنتاجية والتنمية الاقتصادية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لهذه الأسباب ينبغي عليك أن تشارك معرفتك مع الآخرين

يقول الأديب والمفكر العالمي ليو تولستوى : “لا علاقة بالنجاح بما تكسبه في الحياة أوتنجزه لنفسك ،النجاح هو ماتفعله للآخرين”. قد يكون الكثير منّا يطبق هذا المصطلح لكن دون وعي مثل أشياء كثيرة نفعلها ولا ندري ما هو تعريفها، وعندما تتعرف أكثر على الشيء الذي تفعلهتجد متعة وشغف أكثر مما سبقعندما تفعله مرة أخرى. هذا ما سيحدث لك أيها القارئ الفاضل بعد قراءة هذا المقال. حاول علماء عدّة أن يضعوا تعريفًا واضحًا لمشاركة المعرفة، ولكن لم يكن لعملية مشاركة المعرفة مفهومًا واحدًا فيما بينهم. فقد رأى كل من(Ryu, Ho, and Han) عام 2003أن مشاركة المعرفة هي “سلوك الفرد نحو نشر المعرفة المكتسبة داخل المنظمة”.

6 سمات تجدها في شخصية المبرمج

عندما تجد أحدهم يسير في الطريق و أصابعه تتحرك بتلقائية فهو ليس بالضرورة أن يكون عازف “بيانو” – و ليس بالطبع نشال – .. فإعلم انك من الممكن ان تكون امام ممتهن مهنة العصر…انه المبرمج .. أتذكر عند أوراقي لجهة و عند سؤال المسؤول عن مهنتي .. أجبت بكل فخر: “مبرمج”.. وجدته أنفجر ضاحكا .. التفت حولي لأجد الجميع يضحكون أيضا ! .. ثم قال لي  ضاحكا: “يعني بتعمل ايه؟” ! تلك الشخصية الجديدة في مجتمعنا لها خصائصها الفريدة التي تم اكتسابها بحكم عمله اليومي.. سأحاول هنا سرد بعض تلك الخصائص….

لأصحاب القلوب الحديدية: الرياضات العشر الأخطر في العالم !

الدماغ البشري لا يتوقف عن الإختراع في جميع النواحي ومجال أخطر الرياضات في العالم بات هوس الكثيرين والكثيرين جداً، فهناك الكثير من الرياضات الخطرة التي لا يمارسها إلا أصحاب القلوب الحديدية، ويتم تحديث هذه الرياضات عاماً بعد الآخر وإستبعاد الأقل خطراً من قائمة الإثارة لمحبي المغامرة القصوى. لا أقصد بكلامي هذا ركوب الأمواج أو ركوب الخيل أو التزلج على الجليد.، وإنما أريد أن أشير في هذا المقال إلى أكثر وأحدث عشرة رياضات خطراً وحبساً للأنفاس، تلك التي تجعل من الأدرينالين يتدفق بقوة ضمن أوعيتك الدموية وتجعل قلبك يخفق بشدة لدرجة التوقف أحياناً.